سورة البقرة - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


قوله تعالى: {الذي جعلَِ لكُم الأرْضَ فراشاً}.
إنما سميت الأرض أرضاً لسعتها، من قولهم: أرِضت القرحة: إذا اتسعت. وقيل: لانحطاطها عن السماء، وكل ما سفل: أرض، وقيل: لأن الناس يرضونها بأقدامهم، وسميت السماء سماء لعلوها. قال الزجاج: وكل ما علا على الأرض فاسمه بناء، وقال ابن عباس: البناء هاهنا بمعنى السقف.
قوله تعالى: {وأنزل من السماء} يعني: من السحاب.
{ماءً} يعني: المطر.
{فلا تجعلوا لله أنداداً} يعني: شركاء، أمثالا. يقال: هذا ند هذا، ونديده. وفيما أريد بالأنداد هاهنا قولان. أحدهما: الأصنام، قاله ابن زيد، والثاني: رجال كانوا يطيعونهم في معصية الله، قاله السدي.
قوله تعالى: {وأنتم تعلمون}.
فيه ستة أقوال.
أحدهما: وأنتم تعلمون أنه خلق السماء، وأنزل الماء، وفعل ما شرحه في هذه الآيات، وهذا المعنى مروي عن ابن عباس وقتادة ومقاتل.
الثاني: وأنتم تعلمون أنه ليس ذلك في كتابكم التوراة والانجيل، روي عن ابن عباس أيضاً، وهو يخرج على قول من قال: الخطاب لأهل الكتاب.
والثالث: وأنتم تعلمون أنه لا ند له، قاله مجاهد.
والرابع: أن العلم هاهنا بمعنى العقل، قاله ابن قتبية.
والخامس: وأنتم تعلمون أنه لا يقدر على فعل ما ذكره أحد سواه. ذكره شيخنا علي بن عبيد الله.
والسادس: وأنتم تعلمون أنها حجارة، سمعته من الشيخ أبي محمد بن الخشاب.


قوله تعالى: {وإِن كنتم في ريب}
سبب نزولها أن اليهود قالوا: هذا الذي يأتينا به محمد لا يشبه الوحي، وإنا لفي شك منه، فنزلت هذه الآية. وهذا مروي عن ابن عباس ومقاتل. و{إن} هاهنا لغير شك، لأن الله تعالى علم أنهم مرتابون، ولكن هذا عادة العرب، يقول الرجل لابنه: إن كنت ابني فأطعني. وقيل إنها هاهنا بمعنى إِذ، قال أبو زيد: ومنه قوله تعالى: {وذروا ما بقي من الربى إن كنتم مؤمنين} [البقرة: 278].
قوله تعالى: {فأتوا بسورة من مثله} قال ابن قتيبة: السورة تهمز ولا تهمز، فمن همزها جعلها من أسأرت، يعني أفضلت لأنها قطعة من القرآن، ومن لم يهمزها جَعلها من سُورةَ البناء، أي منزلة بعد منزلة. قال النابغة في النعمان:
أَلم تر أن الله أعطاك سُورة *** ترى كل مَلْك دونها يتذبذب
والسورة في هذا البيت: سورة المجد، وهي مستعارة من سورة البناء. وقال ابن الأنباريّ: قال أبو عبيدة: إِنما سُميت السورة سورة لأنه يرتفع فيها من منزلة إِلى منزلة، مثل سورة البناء. ومعنى: أَعطاك سورة، أَي: منزلة شرف ارتفعت إليها عن منازل الملوك. قال ابن القاسم: ويجوز أَن تكون سميت سورة لشرفها، تقول العرب: له سورة في المجد، أي: شرف وارتفاع، أو لأنها قطعة من القرآن من قولك: أسأرت سُؤراً، أَي: أبقيت بقية، وفي هاء {مثله} قولان: أحدهما: أنها تعود على القرآن المنزل، قاله قتادة، والفراء ومقاتل. والثاني: أنها تعود على النبي، صلى الله عليه وسلم، فيكون التقدير: فأتوا بسورة من مثل هذا العبد الأمي، ذكره أبو عبيدة والزجاج وابن القاسم. فعلى هذا القول: تكون {من} لابتداء الغاية، وعلى الأول: تكون زائدة.
قوله تعالى: {وادعوا شهداءكم من دون الله}
فيه قولان. أحدهما: أن معناه: استعينوا من المعونة، قاله السدي والفراء. والثاني: استغيثوا من الاستغاثة، وأنشدوا:
فلما التقت فرساننا ورجالهم *** دعوا يال كعب واعتزينا لعامر
وهذا قول ابن قتيبة:
وفي شهدائهم ثلاثة أقوال.
أَحدهما: أنهم آلهتهم، قاله ابن عباس والسديّ ومقاتل والفراء. قال ابن قتيبة: وسموا شهداء، لأنهم يشهدونهم، ويحضرونهم. وقال غيره: لأنهم عبدوهم ليشهدوا لهم عند الله.
والثاني: أنهم أعوانهم، روي عن ابن عباس أيضاً.
والثالث: أَن معناه قأتوا بناس يشهدون ما تأتون به مثل القرآن، روي عن مجاهد.
قوله تعالى: {إنْ كُنتم صادقين} أي: في قولكم: إِن هذا القرآن ليس من عند الله، قاله ابن عباس.


قوله تعالى: {فان لم تفعلوا} في هذه الآية مضمر مقدّر، يقتضي الكلام تقديمه، وهو أَنه لما تحداهم بما في الآية الماضية من التحدي، فسكتوا عن الاجابة؛ قال: {فان لم تفعلوا} وفي قوله تعالى: {وَلن تَفْعلوا} أعظم دلالة على صحة نبوة نبينا، لأنه أخبر أنهم لا يفعلون، ولم يفعلوا.
قوله تعالى: {فاتّقوا النّارَ التي وقُودُها النّاسُ والحِجَارةُ أُعِدَّت للكافِرين}
والوقود: بفتح الواو: الحطب، وبضمها: التوقد، كالوضوء بالفتح: الماء، وبالضم: المصدر، وهو: اسم حركات المتوضئ. وقرأ الحسن وقتادة: وُقودها، بضم الواو، والاختيار الفتح. والناس أوقدوا فيها بطريق العذاب، والحجارة، لبيان قوتها وشدتها، إِذ هي محرقة للحجارة. وفي هذه الحجارة قولان. أَحدهما: أنها أصنامهم التي عبدوها، قاله الربيع بن أنس. والثاني: أنها حجارة الكبريت، وهي أشد الأشياء حراً، إذا أحميت يعذبون بها. ومعنى {أُعدت}: هيئت. وإِنما خوَّفهم بالنار إِذا لم يأتوا بمثل القرآن، لأنهم إذا كذبوه. وعجزوا عن الإتيان بمثله. ثبتت عليهم الحجة، وصار الخلاف عناداً، وجزاء المعاندين النار.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11